تنبؤات استثمارية للعام الجديد.. هل قطاع الذكاء الاصطناعي هو الأكثر عرضةً للمخاطر؟

وول ستريت – AFP

نيويورك  – عين اليمن الحر CNBC

مع اقتراب عام 2026، يسود إجماع واسع في الأسواق العالمية على أن الزخم الإيجابي الذي ميّز العام الجاري قد يستمر، مدعومًا بمرونة غير متوقعة في الاقتصاد العالمي، رغم التوترات الجيوسياسية، والرسوم الجمركية، وتقلبات السياسة النقدية.

برغم الهبوط الحاد المؤقت للأسواق عقب إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب فرض تعريفات جمركية في أبريل/نيسان، سرعان ما تعافت الأسهم، واستقرت السندات، ولم تشهد الأصول الخاصة انهيارات واسعة، ما عزز شهية المخاطرة لدى المستثمرين.

غير أن هذا التفاؤل يخفي خلفه مجموعة من المخاطر الجوهرية التي يحذر محللون من تجاهلها، وفي مقدمتها قطاع الذكاء الاصطناعي، الذي يُعد -وفق تحليل فايننشال تايمز- الأكثر عرضةً لصدمة محتملة قد تمتد آثارها إلى مجمل الأسواق العالمية.

الذكاء الاصطناعي.. مكاسب ضخمة ومخاطر أكبر

حقق قطاع التكنولوجيا، وخاصة شركات الذكاء الاصطناعي، إيرادات هائلة مدفوعة بإنفاق غير مسبوق على البنية التحتية الحاسوبية والرقائق المتقدمة. ورغم أن هذا التفوق في أداء الأسهم ليس وهميًا، فإن التساؤلات تتزايد حول مدى استدامته.

المستثمرون يواجهون حالة من عدم اليقين بشأن عمق الميزة التنافسية التي تتمتع بها الشركات الأميركية العملاقة، وقدرتها على الحفاظ على هيمنتها في ظل محاولات الصين المتسارعة للحاق بالركب، كما عكستها ما بات يُعرف بـ”لحظة ديب سيك” في يناير/كانون الثاني 2025.

كما يبرز تساؤل آخر أكثر حساسية يتعلق بقدرة السوق النهائية على استيعاب هذه الاستثمارات الضخمة، وما إذا كان المستهلكون والشركات سيدفعون ما يكفي مقابل تقنيات الذكاء الاصطناعي لتبرير هذا الحجم من الإنفاق الرأسمالي. وتزداد خطورة هذه الأسئلة مع تضخم وزن شركات التكنولوجيا العملاقة في المحافظ الاستثمارية العالمية.

ولا تزال القيمة السوقية لشركة إنفيديا وحدها تتجاوز 4 تريليونات دولار، رغم تراجع سهمها مؤخرًا، ما يجعل أي تصحيح حاد في القطاع ذا تأثير واسع على السوق الأميركية، مع امتداد التداعيات إلى الأسهم العالمية والقطاعات المرتبطة بها.

تحذيرات من بلاك روك.. والتنويع ليس حلًا سحريًا

تؤكد شركة بلاك روك، أكبر مدير أصول في العالم، في توقعاتها لعام 2026، أن تعثر قطاع الذكاء الاصطناعي قد يفوق في تأثيره أي محاولات ظاهرية لتنويع المحافظ بعيدًا عنه. وترى الشركة أن الاعتماد غير المباشر على الذكاء الاصطناعي، من خلال الاستثمار في آسيا أو البنية التحتية للطاقة أو الموارد التقنية، لا يقلل بالضرورة من حجم المخاطر، لأن هذه القطاعات تمثل أجزاء من سلسلة القيمة نفسها.

وتحذر بلاك روك من أن المحافظ الاستثمارية بحاجة إلى “خطة بديلة واضحة” وقدرة على التكيف السريع، في حال تعرض هذا القطاع لهزة مفاجئة.

التضخم والسياسة النقدية.. معادلة غير مستقرة

إلى جانب مخاطر التقييم، يبرز خطر آخر يتمثل في أن الإنفاق المفرط على الذكاء الاصطناعي قد يُعيد إشعال التضخم. فلا يزال معدل التضخم السنوي في الولايات المتحدة قرب 3%، فيما يبقى المقياس المفضل لدى الاحتياطي الفدرالي أعلى من المستوى المستهدف. وعلى الرغم من أن الأسواق تراهن على استمرار تراجع التضخم بما يسمح بخفض أسعار الفائدة خلال العام المقبل، فإن بعض المحللين يشككون في ذلك، خصوصًا مع استمرار آثار الرسوم الجمركية.

وفي هذا السياق، فإن أي تغيير مفاجئ في مسار السياسة النقدية الأميركية قد يُحدث صدمة في الأسواق. فرفع الفائدة سيضغط على الأسهم، بينما قد يؤدي تثبيتها أو خفضها إلى ضغوط على السندات والدولار، خاصة مع بدء بنوك مركزية أخرى، مثل أستراليا والنرويج، في التراجع عن سياسات التيسير.

مخاطر إضافية.. العملات المشفرة واليابان

ووفق تقرير الصحيفة البريطانية، فإن من بين المخاطر غير المتوقعة التي تستحق المراقبة، يبرز قطاع العملات المشفرة، الذي بات أكثر اندماجًا في النظام المالي خلال عهد ترامب. ويشير التحليل إلى أن أي خلل في هذا القطاع قد يضر بالمستثمرين الأفراد الذين لعبوا دورًا رئيسيًا في دعم الأسواق هذا العام، مع احتمال انتقال العدوى إلى أسواق أخرى، وربما استدعى الأمر تدخل البنوك المركزية، في ظل امتلاك مُشغلي العملات المستقرة كميات كبيرة من سندات الخزانة قصيرة الأجل.

في الوقت ذاته، تشهد عوائد السندات الحكومية اليابانية ارتفاعًا ملحوظًا، مع تأخر أسعار الفائدة عن مواكبة التضخم، وإذا فقد المستثمرون اليابانيون حافزهم للاستثمار في الخارج، فقد يؤدي ذلك إلى غياب أحد أهم المشترين العالميين للديون، في توقيت حساس للأسواق المالية.

إجماع مقلق والتفاؤل سيف ذو حدين

أحد أبرز مصادر القلق، وفق فايننشال تايمز، هو الإجماع السائد نفسه. فالمتشائمون باتوا قلة، رغم تحذيرات بعض المحللين، مثل ألبرت إدواردز من «سوسيتيه جنرال»، الذي يرى أن الأسهم الأميركية لا تزال تعيش فقاعة تقييم. ومع ذلك، يعترف إدواردز بصعوبة رصد مؤشرات اقتصادية وشيكة تُنذر بسوق هابطة كبرى.

ولا يعني هذا بالضرورة أن انهيار الأسواق أو تراجع الأصول عالية المخاطر أمر حتمي، لكن التفاؤل المفرط يجعل الأسواق أكثر هشاشة أمام أي خطأ بسيط أو صدمة غير متوقعة. ولهذا، يرى محللو فايننشال تايمز أن عام 2026 سيكون عامًا حاسمًا لمتابعة هذه المخاطر، في وقت تبدو فيه التقلبات أمرًا لا مفر منه.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى