الحرب الروسية الاوكرانية-الدبلوماسية الهادئة بين واشنطن وموسكو تقترب من الحل

 

أ د / دحان النجار

استراتيجية الامن القومي الأمريكي لعام ٢٠٢٥م تدعو إلى السلام مع روسيا والى ان تتحمل أوروبا اعباء أمنها والاستعداد لمواجهة الصين ، هذا التوجه الاستراتيجي لإدارة الرئيس دونالد ترامب لفترة رئاسته الحالية هو الذي يرسم الخطوط الرئيسية للسياسة الأمريكية تجاه الحرب الروسية الاوكرانية وكيفية الخروج منها او بالأصح إيقافها.

من الواضح ان موسكو وواشنطن في تواصل مستمر وعبر قنوات مختلفة من اجل الوصول إلى صيغة نهائية لوقف الحرب الروسية الاوكرانية دون الالتفات إلى المخاوف الأوروبية والأوكرانية بشكل تام .
روسيا تفضل التحاور تحت النار كي تملي شروطها وكي تحقق استكمال الاستيلاء على الأراضي في اقليم الدونباس و التوسع في خاركيف وزاباروجيه ولكنها تواجه مقاومة شديدة من قبل الجيش الاوكراني بالرغم من تحقيق بعض الاختراقات وإسقاط بعض البلدات
في الايام الاخيرة تمكنت القوات الروسية من اسقاط بلدات مثل كراسنوارميسك في اقليم دونيتسك وفولوتشانسك في خاركيف وزيليوني غاي في زاباروجيه وهي بلدات صغيرة لكنها تمثل مكاسب عسكرية وسياسية مهمة قبل الوصول إلى صيغة وقف اطلاق النار .
هناك تواصل بين واشنطن وموسكو على مستوى الوفود الرسمية والخبراء بعضها تم الاعلان عنه والبعض الاخر طي الكتمان ومن الواضح ان الطرفين يفضلون انجاز الطبخة على نار هادئة وفي وراء الكواليس وهذه وسيلة دبلوماسية فعالة في انجاح اي اتفاق يتعلق بحدث دولي كبير ومهم بحجم الحرب الروسية الاوكرانية التي تشترك بها قوى دولية مهمة مثل الناتو وروسيا وحلفائها ومن المعروف ان أوكرانيا ومن خلفها الدول الاوروبية اعضاء الناتو لا يرغبون في خطة السلام الأمريكية الحالية لانها تعطي الرئيس بوتين نصرا هم ضده ولذلك يمارسون الضغط بطرق مختلفة لافساد الطبخة من خلال رفع سقف تدخلهم العسكري المباشر على الارض الاوكرانية حيث ان اول كثيبة عسكرية من الناتو وصلت إلى أوكرانيا علنا في الايام الاخيرة وهي الكتيبة الهولندية وسبقتها بعض الطلائع الفرنسية وهناك قوات بريطانية والمانية وغيرها متواجده على الارض الاوكرانية ومؤخرا اعلنت هذه الدول التدخل لاسقاط المسيرات الروسية فوق الأراضي الاوكرانية، وهكذا يصعد الناتو ويتجاوز الخطوط الحمر التي رسمها لنفسه في بداية الحرب والقاضية بعدم التدخل بقوات عسكرية مباشرة على الارض الاوكرانية لكن هذا التصعيد يظل بدون اهمية قصوى إذا لم تتجاوب معه الولايات المتحدة الأمريكية.
كانت هناك شائعات بان الرئيس بوتين لم يوافق على الخطة الأمريكية للسلام لكنه نفى ذلك وكذلك تم النفي من قبل مساعدية ومستشارية ومنهم “بيسكوف” المتحدث باسم الكرملين الذي قال بان موسكو وواشنطن ترفضان دبلوماسية مكبرات الصوت وان الصمت ضرورة لانجاح المفوضات ، وفيما يخص الموقف الأوروبي المتشدد ضد بلاده والذي يدعو الى عدم مكافأة روسيا على عدوانها بل ويجب الحاق الهزيمة بها قال بان الأوروبيون خارج لعبة السلام لانهم مهووسون بفكرة هزيمة روسيا استراتيجيا ،وان موسكو جاهزة للقاء ادارة ترامب في اي وقت والعمل بين الخبراء يجري لتأسيس اتصال رفيع المستوى وان بوتين لم يرفض الخطة الأمريكية.
في الثاني من ديسمبر التقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع مندوبي الادارة الأمريكية “بيتكوف وكوشنر “في موسكو بهدف دفع جهود انهاء الحرب حسب خطة السلام الامريكية وعُقد هذا الاجتماع بعد محادثات الوفد الأمريكي والوفد الاوكراني في ولاية فلوريدا الأمريكية في ٣٠ نوفمبر لمناقشة وتعديل، تلك الخطة والتي تضمنت فقرات حساسة مثل تبادل الأراضي والضمانات الامنية لأوكرانيا وعدم انضمامها إلى حلف الناتو ، (وكانت لقاءات قد تمت في جنيف في نفس المسار )وقد وصف بوتين اللقاء الذي استمر خمس ساعات بانه كان مفيدا للغاية وضروريا، واكد المسؤولون الروس انه تم احراز تقدم لكن لازالت الحاجة هناك لمزيد من العمل حتى يتم الوصول إلى تسوية نهائية لان هناك بعض النقاط في خطة السلام الأمريكية لم توافق عليها روسيا.
على الرغم من أن تفاصيل الرد الروسي الرسمي لم تُنشر بالكامل، فقد أكد الكرملين تمسكه بـ”الأسباب الكامنة للأزمة”، مما يشير إلى اعتراضه على أي بنود لا تُلبي بشكل كامل مطالبه الجوهرية، والخلاف الأكبر بين روسيا والنسخة الأمريكية المنقحة من خطة السلام يدور حول الاراضي وحياد أوكرانيا ، حيث اعترضت موسكو على التعديلات التي تم إجراؤها على الخطة الأصلية (28 بنداً) لجعلها أكثر قبولاً لأوكرانيا، معتبرة أن هذه التعديلات لم تُلبِّ شروطها الجوهرية.
الخطة الأمريكية المنقحة لم تمنح روسيا سيطرة كاملة ومُعترف بها دوليًا على جميع الأراضي التي تعتبرها موسكو الآن جزءًا من روسيا (بما في ذلك دونيتسك ولوغانسك وخيرسون وزاباروجيا وشبه جزيرة القرم)، حيث تصر موسكو على الاعتراف الدولي بضم هذه الأراضي أو تسليمها رسميا لروسيا. الخطة الأمريكية (النسخة الأولية) اعترفت بحكم الأمر الواقع بضم القرم والدونباس، لكن النسخة المنقحة قد تكون تراجعت عن هذا الاعتراف الكامل أو لم تشمل كل الأراضي التي تطالب بها روسيا حاليًا، مما أثار استياء موسكو.
الخطة المعدلة لا تتضمن بندًا ملزما وواضحا يُلزم أوكرانيا رسميًا بالتخلي عن طموحها في الانضمام الى حلف الناتو إلى الأبد بينما روسيا تصر على حياد أوكرانيا وإلزام كييف بالتعهد رسميًا بعدم الانضمام إلى الناتو، وتقديم ضمانات أمنية لروسيا بخصوص عدم توسع الناتو (وهو ما يُعتبر شرطًا أساسيًا لإنهاء الحرب من وجهة نظر الكرملين).
فيما يخص الجيش الاوكراني الخطة الأمريكية لم تُلزم أوكرانيا بما يكفي بتقييد حجم وتسليح قواتها المسلحة (في النسخة الأولية تم اقتراح تحديد عدد القوات بـ 600 ألف جندي) وتطالب روسيا بفرض سقف منخفض على القوات الأوكرانية لضمان نزع السلاح الفعلي، وبالتالي منع أوكرانيا من بناء قدرات هجومية مستقبلية.
الوفدان الأمريكي والأوكراني عاودا اللقاء في ميامي فلوريدا في ٤ ديسمبر ، وعلى الرغم من وصف المحادثات بالبنائة إلا أن النتائج لم تسفر عن اختراق حقيقي يقود الى نهاية الحرب ، بل واكدت على تعديل خطة السلام الأمريكية التي تم اختصارها من ٢٨ بندا إلى ١٩ وتقريب وجهات النظر.
وقد اسفر اللقاء إلى مراجعة خطة السلام الأمريكية وتعديل البنود التي قادت الى اعتراض أوكرانيا وخاصة بعد استعراض ردود موسكو عليها ، حيث تم التوصل الى اتفاق مبدئي وحساس بالنسبة لكييف حول اطار الترتيبات الامنية وسبل الردع لضمان امن أوكرانيا ضد اي عدوان روسي مستقبلي، واكد الجانب الأمريكي ان اي تقدم حقيقي مرهون باستعداد الطرف الروسي بخفض التصعيد ووقف الاعمال القتالية والتزامه الجاد بسلام طويل الامد ، وراجع الوفدان الأمريكي والأوكراني خطة “الازدهار المستقبلي”التي تهدف إلى دعم إعادة إعمار أوكرانيا بعد الحرب والمبادرات الاقتصادية المشتركة.
ونستطيع القول بان المحادثات بشكل عام كانت ناجحة فيما يخص تنقيح الخطة الأمريكية وتضييق الفجوات لكنها لم تنجح في حسم القضايا الخلافية العالقة نهائيا والأمر يتطلب مزيد من الوقت والمحادثات الجادة من اجل حسمها، ومن اهم النقاط العالقة والتي لازالت قيد البحث والتشاور كما اُشير سابقا هي قضية تبادل الاراضي والناتو والحياد وحجم الجيش الاوكراني والضمانات الامنية.
كل هذه اللقاءات تشير الى قرب تحقيق اتفاق سياسي ينهي الحرب القائمة بين روسيا واوكرانيا بعد أن يتم تجاوز النقاط العالقة آنفة الذكر التي تحتاج إلى العمل عليها سريعا قبل ان تتدخل عوامل مستجدة لإفساد ما تم التوصل اليه.
د/دحان النجار ولاية تنسي الأمريكية ٦ ديسمبر ٢٠٢٥ م.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى