الإمارات وقطر.. محطات على طريق استعادة “علاقات حتمية”

 

عين اليمن الحر

قطعت الدولتان الخليجيتان المتجاورتان، الإمارات وقطر، شوطا طويلا في سبيل استعادة العلاقات الدبلوماسية بعد سنوات من القطيعة والخلافات.

وأكد محللان، تحدثا لموقع الحرة، أن المصالح الاقتصادية والسياسية والتجاور الجغرافي يجعل “من الطبيعي” اتخاذ هذه الخطوة.

وقال المحلل السياسي القطري، محمد المسفر، في تصريحات لموقع الحرة، إن هناك علاقات اقتصادية وروابط اجتماعية وسياسية هامة تحتم أن تنهي أي خلاف بينهما.

ويرى محلل شؤون الشرق الأوسط، رئيس مركز القرن العربي للدراسات في السعودية، سعد بن عمر، أن العلاقات بين البلدين ازدادت قوة خلال السنوات الماضية، فهما بلدان متجاوران وعضوان في مجلس التعاون الخليجي، مشيرا إلى تجاوز الخلافات بينهما باتفاق العلا في يناير 2021.

وقال البلدان في بيان مشترك، الاثنين، إنه “حرصا من الدولتين على تعزيز العلاقات الثنائية، تعلن الإمارات العربية المتحدة ودولة قطر، إعادة التمثيل الدبلوماسي بينهما، وذلك باستئناف سفارة دولة الإمارات في الدوحة، وسفارة دولة قطر في أبوظبي وقنصليتها في دبي، مزاولة أعمالها اليوم الاثنين”.

وأضاف البيان أن “هذه الخطوة تأتي تجسيدا لإرادة قيادتَي البلديْن، وتعزيزا لمسيرة العمل العربي المشترك، بما يحقق تطلعات الشعبين الشقيقين”.

ويشترك البلدان في الحدود البحرية، وهما جزء من منطقة الخليج، وعضوان في مجلس التعاون الخليجي. ورغم هذه الروابط الجغرافية والسياسية، تراكمت التوترات بين البلدين على مر السنوات، قبل قرار الإمارات ودول أخرى مقاطعة الدوحة، عام 2017.

وتقول رويترز إن صراعا مريرا بين أبوظبي والدوحة استمر لسنوات على النفوذ الإقليمي ودور الإسلام في السياسة، وكذلك بشأن دعم الحركات المؤيدة للديمقراطية في أنحاء الشرق الأوسط.

ويشير موقع أتلانتيك الأميركي في تحليل للعلاقات بين قطر من جانب، والإمارات والسعودية من جانب، إلى “احتكاكات” نشبت بسبب دعم قطر للإسلاميين، لاسيما جماعة الإخوان المسلمين، واستخدام قناة “الجزيرة” التي تتخذ من الدوحة مقرا لها منصة للجماعات التي تنتقد الدول الإقليمية.

وتبنت لدى قطر والإمارات سياسات متعارضة تماما تجاه جماعة الإخوان المسلمين، وقد ظهر هذا جليا في ليبيا، حيث كان البلدان على طرفي نقيض من الصراع على السلطة.

ويشير التحليل إلى أنه بعد وصول الأمير الشاب، تميم بن حمد، إلى السلطة، كانت الآمال كبيرة في الرياض وأبوظبي على أنه سيعيد موازنة نهج قطر في الشؤون الإقليمية.

لكن في نوفمبر 2013، غضب الإماراتيون والسعوديون من التقارير التي تفيد بأن أعضاء جماعة الإخوان المسلمين “أعادوا تجميع صفوفهم” في قطر بعد إطاحة الرئيس المصري، محمد مرسي. وكانت الدوحة داعمة بشدة لحكم مرسي وانتقدت إجراءات عزله.

وفي ذلك الوقت، دعت الرياض وأبوظبي الدوحة إلى الاتفاق على “عدم التدخل” في الشؤون الداخلية لأي من دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، وفي مارس 2014، سحبت الدولتان سفيريهما من الدوحة متهمين إياها بعدم الالتزام بالاتفاق.

ويشير الموقع إلى أن ما أشعل الموقف بالنسبة للإمارات هو احتضان قطر لعدد من المعارضين الإماراتيين المحسوبين على جماعة الإخوان، بعد فرارهم من الإمارات في 2012.

لكن الخلاف انتهى في نوفمبر 2014 بعد سلسلة من “التنازلات القطرية”، وشمل ذلك نقل شخصيات تنتمي إلى جماعة الإخوان من الدوحة إلى تركيا، ومغادرة المعارضين الإماراتيين الدوحة، وإغلاق “فرع الجزيرة” في مصر، لكن الخلافات عادت للظهور مرة أخرى.

وفي عام 2017، قطعت السعودية والإمارات والبحرين ومصر العلاقات مع قطر بسبب اتهامات بـ”دعمها” الإرهاب، وتعزيز علاقاتها مع إيران، لكن الدوحة نفت تلك الاتهامات.

وردت قطر على ذلك برفض تلك المطالب واتهام الدول المقاطعة لها بفرض “حصار “عليها.

وفي يونيو 2018، رفعت قطر خلافها مع الإمارات إلى محكمة العدل الدولية التابعة للأمم المتحدة، متهمة أبوظبي بممارسة “التمييز العنصري وبارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان” على خلفية “الحصار “الذي فُرض عليها.

وبعد سنوات من القطيعة والاتهامات المتبادلة، وقعت السعودية والبحرين والإمارات وقطر اتفاق مصالحة في مدينة العلا بالسعودية خلال القمة الخليجية في يناير 2021.

ونص الاتفاق على “عودة العمل المشترك إلى مساره الطبيعي، وتعزيز أواصر الود والتآخي بين شعوب المنطقة”، وفق البيان.

وأكد مجلس التعاون لدول الخليج في حينها أن الاتفاق “يهدف إلى تعزيز وحدة الصف والتماسك بين دول مجلس التعاون، وعودة العمل الخليجي المشترك إلى مساره الطبيعي، والحفاظ على الأمن والاستقرار في المنطقة”.

وكلف المجلس “الهيئات والمجالس واللجان الوزارية والفنية، والأمانة العامة وكافة أجهزة المجلس، بمضاعفة الجهود لاستكمال ما تبقى من خطوات، وفق جدول زمني محدد، بما في ذلك استكمال مقومات الوحدة الاقتصادية في إطار مجلس التعاون، والمنظومتين الدفاعية والأمنية المشتركة، وبلورة سياسة خارجية موحدة وفاعلة للمجلس تحفظ مصالحه ومكتسباته وتُجنّبه الصراعات الإقليمية والدولية، وتلبي تطلعات مواطنيه وطموحاتهم”.

ومنذ 2021، عادت العلاقات إلى حد كبير بين قطر والسعودية، وبدأت الرياض والقاهرة بإعادة تعيين سفيرين لدى الدوحة، في عام 2021 ، لكن لم يحدث الأمر ذاته بالنسبة للإمارات.

اكن منذ ذلك الوقت، تحسنت العلاقات واجتمع قادة البلدين وجها لوجه لأول مرة منذ القطيعة على هامش أولمبياد بكين في فبراير 2022.

ويقول سعد بن عمر في تصريحاته لموقع الحرة إنه كان من الطبيعي عودة الأمور إلى مجاريها وأن “كان قد حدث بعض التأخير”.

ويقول المحلل القطري إنه “لا غرابة في عودة العلاقات، لكن الغرابة هو حدوث الخلافات من الأساس”.

ويوضح المسفر أنه كان هناك تواصل على أعلى المستويات بين البلدين، خلال الفترة الماضية، منذ توقيع اتفاق العلا، مشيرا إلى الزيارات المتبادلة التي تمت خلال تلك الفترة.

وأرسلت أبوظبي مستشار الأمن الوطني، الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان، إلى قطر في أول زيارة رفيعة المستوى لمسؤول إماراتي منذ قطع العلاقات، حيث القتى أمير قطر لبحث “العلاقات الأخوية وكيفية تعزيز مختلف المجالات ذات الاهتمام المشترك”، وفق وكالة الأنباء الإماراتية “وام”.

واستقبل محمد بن زايد وزير الخارجية القطري، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في أبوظبي. حيث بحث الجانبان “العلاقات القوية بين البلدين وسبل تعزيزها بما يخدم مصالح بلديهما”.

وفي يناير من عام 2022، أعربت قطر علنا عن إدانتها الشديدة لهجوم بطائرات مسيرة أطلقه الحوثيون على أبوظبي، واصفة إياه بأنه عمل إرهابي.

وفي نوفمبر الماضي، حضر الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات، حاكم دبي، افتتاح بطولة كأس العالم لكرة القدم في الدوحة.

وفي ديسمبر من العام الماضي، استقبل أمير قطر رئيس الإمارات، محمد بن زايد، الذي كان في زيارة رسمية. وكتب الرئيس الإماراتي في تغريدة: “سعدت ببحث العلاقات الأخوية وسبل تعزيزها وتطويرها بما يخدم المصالح المشتركة”.

وبعد حوالي شهر، حضر أمير قطر القمة التي عقدت في أبوظبي بمشاركة العاهل الأردني، والملك عبدالله الثاني، والرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي، وملك البحرين، حمد بن عيسى آل خليفة، وسلطان عُمان، هيثم بن طارق، وأعرب بعدها في تغريدة عن سعادته “باللقاء التشاوري مع عدد من إخواني قادة الدول الشقيقة”.

وكانت وكالة رويترز قد نقلت في أبريل الماضي عن مسؤولين توقعهما استعادة العلاقات الدبلوماسية كاملة.

وقال مسؤول إماراتي: “في الوقت الحالي، يجري تفعيل العلاقات الدبلوماسية، التي ستشمل إعادة فتح السفارات، بين البلدين”. وأكد المكتب الإعلامي القطري الدولي في بيان أن “العمل جار لإعادة فتح السفارات المعنية في أسرع وقت ممكن”. وتوقع مسؤول خليجي إعادة فتح السفارات وتعيين سفراء جدد بحلول منتصف يونيو.

ويأتي استعادة التمثيل الدبلوماسي وسط مساع إقليمية أوسع لتحقيق المصالحة، حيث أنهت السعودية ومصر عزلة استمرت نحو 10 سنوات لسوريا، وفي اليمن، أجرت جماعة الحوثي والسعودية محادثات سلام، واتفقت إيران والسعودية على استئناف العلاقات بعد سنوات من العداء الذي هدد استقرار منطقة الخليج، وأدى إلى تأجيج الحرب في اليمن، وفق رويترز.

وعقب الإعلان عن الاتفاق، قالت “وام” إن وزير الخارجية الإماراتي، عبدالله بن زايد آل نهيان، ورئيس وزراء قطر الذي يتولى أيضا منصب وزير الخارجية، محمد بن عبد الرحمن بن جاسم آل ثاني “تبادلا هاتفيا التهنئة بمناسبة استئناف سفارة دولة قطر في أبوظبي وقنصليتها في دبي وسفارة دولة الإمارات في الدوحة مزاولة أعمالها”.

ونقلت “وام” عن الوزير الإماراتي ترحيبه “بهذه الخطوة المهمة التي تؤسس لمرحلة جديدة من التعاون والشراكة بين دولة الإمارات ودولة قطر”.

وقالت وزارة الخارجية القطرية في بيان إن وزير الخارجية “رحب باستئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، معربا عن تطلع دولة قطر إلى تعزيز الشراكة مع دولة الإمارات، بما يعكس عمق العلاقات الأخوية بين الشعبين الشقيقين”.

ويتوقع المحلل سعد بن عمر أن يساعد الاتفاق على تعميق العلقات الاقتصادية بين البلدين، خاصة فيما يتعلق بمشاريع الغاز.

ويشير إلى أن الاتفاق خطوة في سبيل زيادة الوحدة بين دول التعاون الخليجي، مشيرا إلى وجود وحدة اقتصادية قائمة في بعض الجوانب، كما حدث تقدم كبير على سبيل التعاون الدفاعي.

 

المصدر : الحرة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى