الأمين العام للأمم المتحدة من الرياض، منتدى تحالف الحضارات يدعو إلى اختيار الحوار بدلا من الانقسام

الأمين العام للأمم المتحدة من الرياض، منتدى تحالف الحضارات يدعو إلى اختيار الحوار بدلا من الانقسام
نيويورك – نجلاء الخضر – ألأمم المتحدة
انطلق المنتدى العالمي الحادي عشر لتحالف الأمم المتحدة للحضارات في العاصمة السعودية الرياض برسالة واضحة تؤكد على الضرورة العاجلة للتمسك بالحوار لمواجهة الاضطرابات التي يشهدها العالم اليوم.
في وقت يتصاعد فيه انعدام الثقة والانقسام والصراع، أكد المتحدثون في المنتدى – الذي يُعقد في العاصمة السعودية يومي 14 و15 كانون الأول/ديسمبر – أن بناء الجسور بين الثقافات ليس حلما مثاليا، بل هو الطريق الوحيد الممكن للمضي قدما.
وخلال الجلسة الافتتاحية، رفض الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الانتقادات التي تصف أهداف تحالف الحضارات بأنها غير واقعية أو غير مناسبة لعالم اليوم. وشدد على أن الحوار ليس أمرا ساذجا وأنه والدبلوماسية ضروريان وليسا ترفا.
أطلق الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة كوفي عنان مبادرة تحالف الحضارات عام 2005 بدعم من إسبانيا وتركيا. ومنذ ذلك الوقت تغير العالم جذريا، لكن هدف التحالف بقي ثابتا: مكافحة التطرف والتعصب، التصدي للاستقطاب المتزايد، وبناء مجتمعات يتعايش فيها البشر بمختلف ثقافاتهم وأديانهم وحضاراتهم بسلام وكرامة.
الأمين العام أنطونيو غوتيريش تحدث في المنتدى اليوم عن التناقضات التي تعتري العالم، وقال إن البشرية لم تكن يوما أكثر اتصالا، لكنها في الوقت نفسه لم تكن أكثر انقساما.
وتحدث عن طريقين: أحدهما يغذي الخوف ويُقيم الجدران ويزيد الحروب، والآخر أصعب لكنه أساسي، وهو طريق بناء الجسور بين الأديان والثقافات والحضارات.
وأكد أنه عبر هذا الطريق فقط يمكن للعالم أن يتجه نحو سلام مستدام، وعندئذ لن يكون هناك مزيد من حوادث السابع من تشرين الأول/أكتوبر، أو مزيد من المدن التي ستدمر مثل غزة أو تتضور جوعا مثل الفاشر.
وسلط الأمين العام الضوء على ثلاث قوى يعتقد أنها قادرة على تسريع التغيير الإيجابي: طاقة الشباب وإبداعهم، قوة النساء والفتيات وإمكاناتهن، والتأثير الأخلاقي للمؤمنين. ودعا المشاركين في المنتدى إلى تجسيد مهمة تحالف الحضارات بشجاعة ووضوح وأمل.
وفي كلمته الافتتاحية، شدد ميغيل موراتينوس الممثل السامي للتحالف والمبعوث الخاص للأمم المتحدة لمكافحة الإسلاموفوبيا، على ضرورة أن تحظى جميع الثقافات والحضارات بصوت متساو في تشكيل عالم يزداد تعقيدا.
وحذر موراتينوس من “عودة الكراهية”، وشدد على ضرورة اليقظة في مواجهة التمييز والانقسام.
واستشهد بآية من القرآن الكريم من سورة الحجرات: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾.
وجدد تأكيده على أن الإسلام دين سلام وعلى ضرورة عدم التسامح مع الإسلاموفوبيا في أي دولة. كما شدد على وجوب القضاء على معاداة السامية، مضيفا أن الانتقاد المشروع للحكومات يجب ألا يُفهم كمعاداة للسامية، ولا ينبغي أن يشكل سببا لشيطنة مجتمعات بأكملها.
وأكدت الدول المشاركة في المنتدى دعمها لرسالة الأمين العام بشأن ضرورة تجديد الالتزام بالتعايش. واعتمد المنتدى، بعد ظهر اليوم، إعلان الرياض الذي يشدد على أن مكافحة جميع أشكال التعصب الديني يجب أن تكون أولوية عالمية.
كما أكد الدور المركزي للتعليم في تعزيز الحوار، والتفاهم، وحقوق الإنسان، وبناء مجتمعات سلمية. وأقر بالدور الذي يمكن أن يقوم به القادة الدينيون في التوسط أثناء الصراعات والتعاون التنموي.
وجدد الإعلان التأكيد على الدعم السياسي لتحالف الأمم المتحدة للحضارات وأهدافه ومبادئه.
وأعاد إعلان الرياض التأكيد على مهمة التحالف الأساسية في تعزيز التعاون بين الثقافات والأديان، وترسيخ الاحترام المتبادل، وبناء مجتمعات شاملة.
وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود أكد في كلمته التزام بلاده الراسخ بالحوار بين الثقافات. وقال إن دعم السعودية للتحالف ينبع من إيمانها العميق بأن الحوار بين الحضارات والثقافات ضروري لتحقيق السلام والتعاون وبناء الثقة، ومنع النزاعات وحلها.
وأشار إلى عدد من المبادرات السعودية الهادفة إلى تعزيز الحوار بين الثقافات ومواجهة الفكر المتطرف.
كما تحدث عن تنامي الحركات المتطرفة دينيا ووطنيا بأنحاء العالم، إلى جانب الارتفاع الملحوظ في خطاب الكراهية والإسلاموفوبيا خلال العقدين الماضيين. وأكد أن هذه التحديات ينبغي ألا تكون مصدرا للإحباط، بل أن تدفع العالم إلى تعزيز قيم الحوار والتواصل والتعايش، لا التراجع عنها.
وخلال اليوم الأول للمنتدى عُقدت ندوة حول المعلومات المضللة المدفوعة بالذكاء الاصطناعي وما يُعرف بالتزييف العميق وتصاعد خطاب الكراهية الذي تعززه الخوارزميات، والحاجة الملحة لوضع ضوابط تحمي المجتمعات من مخاطر التكنولوجيا.
وقال إسماعيل سراج الدين الرئيس المشارك لمركز نظامي كنجوي الدولي – غير الربحي – ونائب رئيس البنك الدولي سابقا، إن استخدام الذكاء الاصطناعي أمر لا مفر منه. ودعا الجمهور إلى عدم الخوف من التقنيات الجديدة، مُذكـّرا بما حدث عند اختراع الآلة الحاسبة حين ظن كثيرون أن المحاسبين سيفقدون وظائفهم، لكنهم تأقلموا وطوروا مهاراتهم.
وأوضح سراج الدين أن الذكاء الاصطناعي لن يحل محل البشر، لكن من يعرف كيف يستخدمه سيحظى بميزة كبيرة. وشدد على ضرورة تطوير تشريعات تحمي الناس دون أن تخنق الابتكار والإبداع.
وقال إن الذكاء الاصطناعي قد يساعد البشر في عملهم بما يُمكنهم من تحقيق التوزان بين حياتهم العملية والخاصة.
من جانبه، حذر أشرف تسفاوت، عالم البيانات في قطاع البنوك، من أن الذكاء الاصطناعي يُسرع انتشار خطاب الكراهية ويجعل من الصعب على الناس التمييز بين الحقيقة والمحتوى المُزيف.
وأيد وضع لوائح واضحة تضمن حدودا آمنة للاستخدام مع الحفاظ على مساحة للابتكار. وأضاف أن صناع السياسات والصحفيين يتحملون دورا محوريا في حماية المجتمع، بينما يقف الشباب باعتبارهم الأكثر استخداما لهذه التقنيات في الصفوف الأمامية لإيجاد الحلول.
وأشار أيضا إلى أن الذكاء الاصطناعي نفسه يمكن أن يكون أداة للتعامل مع هذه التحديات.
أما عاطف رشيد، رئيس تحرير صحيفة Analyst News، فحذر من أن أنظمة الذكاء الاصطناعي تُطرح لاستخدام الناس بسرعة كبيرة بدون ضمانات كافية للسلامة.
وقال إن الأمر يبدو وكأن “البشر فئران تجارب” لتكنولوجيات الذكاء الاصطناعي، إذ لا تبدأ القواعد إلا بعد أن تصبح هذه التقنيات منتشرة على نطاق واسع. وأكد أن هذه التقنيات يجب أن تُطور لخدمة الإنسانية جمعاء وأن تُبنى على قيم إنسانية راسخة.




