اقتحام الحوثيين لمجمع الأمم المتحدة في صنعاء: انقلاب جديد على الحياد الإنساني وتهديد للأمن الإقليمي

نيويورك – هيثم جسار – الأمم المتحدة
في تطور خطير يعكس تصعيداً ممنهجاً من جانب الحوثيين إزاء عمل المنظمات الدولية في اليمن، اقتحم جهاز الأمن والمخابرات التابع لهم مجمّعًا تابعًا لـ الأمم المتحدة في العاصمة صنعاء يوم السبت 18 أكتوبر 2025، الأمر الذي يُشكل جملة من المخاطر الاستراتيجية – المحلية والإقليمية – تستدعي وقوفَاً دولياً معتبَراً. 
أولاً، من الناحية الإنسانية فإن هذا العمل يهدد بشدة قدرة الأمم المتحدة والمنظمات المساعدة على أداء مهامها في مناطق النزاع، لا سيما تلك الخاضعة لسيطرة الحوثيين. فالاقتحام واحتجاز الموظفين ثمّ تحميلهم تهم “التجسس” – كما يدّعي الحوثيون دون تقديم دليل – يجعل كل عمل إغاثي أو تنموي مشروطاً بالموافقة السياسية والرقابية المسبقة، ما يعوق وصول المساعدات إلى ملايين اليمنيين الذين يعيشون في منطقة إنسانية مأزومة. 
ثانيًا، هذا التصعيد يعكس أن الحوثيين يسعون إلى استخدام الموظفين الدوليين ورقة ضغط سياسية ضمن حساباتهم الإقليمية. فهم يعملون ليس فقط على إذلال المؤسسات الدولية في صنعاء، بل أيضاً على بث رسالة واضحة إلى شركائهم الإقليميين (مثل إيران) ومنافسيهم (السعودية والإمارات) مفادها أن بقائهم على “زعامة” شمال اليمن لا تُختبر فقط بوسائل عسكرية بل عبر السيطرة على الفضاء الإنساني والدبلوماسي. هذا يعزز من موقعهم التفاوضي ويجعلهم لاعبين لا يُحتمل تجاههم الحياد.
ثالثًا، المخاطر الأمنية والدبلوماسية كبيرة: استهداف موظفي الأمم المتحدة يُعد خرقاً واضحاً للقانون الدولي – لما يتمتع به موظف الأمم المتحدة من حصانة ويُفترض أن يكون محمياً. وعندما تتكرر مثل هذه الانتهاكات بدون مساءلة، فإنها تُضعف مبدأ الحياد الإنساني وتفتح الباب أمام استهداف أوسع للاجئين والعاملين الميدانيين، ما قد يُطيح بأي محاولة للوصول إلى تسوية سلمية للنزاع اليمني.
رابعًا، من منظور الاستقرار الإقليمي، فإن هذا الحدث قد يخيّم كشرارة إضافية لتوسّع النزاع أو تحويله إلى محاور جديدة، لا سيما في ظل ارتباط الحوثيين بملفات مثل الهجمات البحرية في البحر الأحمر، ودعمهم لفصائل متحالفة مع إيران. السيطرة على المؤسسات الدولية في صنعاء تمنحهم ورقة ضغط تُوظَّف في مفاوضاتهم المستقبلية أو حتى لاستفزازات ضد السفن والملاحة البحرية، ما يُهدد الأمن البحري الدولي. 
ختامًا، هذا الهجوم ليس مجرد حادث عابر، بل تحول يعكس نية الحوثيين لتقويض الساحة الإنسانية والدبلوماسية لصالح استراتيجية إجبار المؤسسات الدولية على الخضوع لنتائج سياسية محلية أو إقليمية. أمام ذلك، يبدو ضرورياً أن تتبنى الأمم المتحدة والدول المعنيّة نهجًا صارماً: (أ) مطالبة فورية بالإفراج عن الموظفين المحتجزين، (ب) تعليق الأنشطة أو نقلها إلى مناطق أكثر أماناً إذا لزم الأمر، (ج) فرض آليات مساءلة واضحة لمن يعتدي على الحصن الإنساني، حتى لا تصبح اليمن ساحة يتم فيها تسييس عمل الإغاثة واحتجازها ورقة تفاوض




