مذبحة المسيحيين في نيجيريا… واشنطن تعيد وضع الحرية الدينية على الطاولة

FOX News

نيويورك – زينة بلقاسم – ألأمم المتحدة

ألقت المقابلة التلفزيونية -التي شارك فيها السفیر الأميركي لدى الأمم المتحدة “مايك والتز” وأدارتها الإعلامية “هاريس فولكنر” من شبكة فوكس نيوز واستضافت رأي الخبير “نوكس ثايمز”- الضوء على ملفٍ إنساني طال إهماله تمثل في مقتل آلاف المسيحيين في نيجيريا وحرق أماكن عبادتهم وخطفهم وتعذيبهم على يد جماعات متطرفة. وكشفت المقابلة، عن مزيجٍ من الأرقام الصادمة، والقرارات الأميركية، الى جانب مسعى غير تقليدي لتوسيع الجمهور المهتم بالقضية عبر نجمة موسيقية جماهيرية مثل “نيكي ميناج” وضع القصة في سياقها التاريخي بالأرقام والمعطيات.
حدّدت المقابلة أطرافَ القصة متمثلة في الحكومة النيجيرية التي تُتَّهم بالتقاعس، وجماعاتٌ متطرفة أبرزها “بوكو حرام” التي ترتكب الفظائع، ومجتمعاتٌ مسيحية تمثل الطرف الضحية التي تدفع الثمنَ الأكبر، الى جانب مسلمين نيجيريين معتدلين يواجهون العنف حين يرفضون توظيف الدين في القتل، وإدارةٌ أميركية تُعيد إشهار ملف الحرية الدينية من موقع الفعل لا التفرّج، ورأي عام عالمي تحاول أطرافٌ عدة استنهاضه.
وفي تعريف لحجم المأساة بالأرقام تتناقل أخبار مقتل أكثر من سبعة آلاف إنسان خلال الأشهر الثمانية الأولى من السنة، ترتفع الى نحو مائة وخمسةٍ وعشرين ألفًا كحصيلة للقتلى منذ عام ألفين وتسعة، الى جانب احتراق ما يقارب عشرين ألف كنيسة خلال المدة نفسها، مع آلاف حوادث الخطف والتعذيب أتت عن طريق شهادات توضح أن الكنائس ومراكز العبادة والقرى المسيحية كانت أهدافًا متكررة، وأن كلفة الصمت باتت لا تُحتمل.
يعتبرشمال نيجيريا ووسطها مسرحَ الحدث، حيث تتقاطع خرائط الفقر وضعف التنمية مع مساحاتٍ رَخوة أمنيًا. وحيث تتشابك عواملُ عِرقية وبيئية واقتصادية، يتضاعف أثرُ التحريض المتطرف. بينما تحركت الولايات المتحدة الامريكية، وفي نيويورك ومن داخل بعثة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، يُدار نقاشٌ عام يُراد له أن يتحوّل إلى ضغطٍ دولي وبرامجَ عملية.
اخذت المذبحة منحى تصاعدي منذ عام ألفين وتسعة، وتفاقمت ولا تزال تتفاقم خلال الأعوام الأخيرة، فيما تُعيد تصريحات الرئيس “دونالد ترامب” ومساعي بعثة واشنطن في نوفمبر الجاري الملفَّ إلى صدارة النقاش. ويذكّر “مايك والتز” بأن الرئيس في ولايته الأولى دعا قادة العالم خلال اجتماعات الجمعية العامة قبل أعوام إلى اجتماعٍ غير مسبوق من أجل حماية الحرية الدينية، وأن تراجعَ التركيز لاحقًا سمح للأزمة أن تتفاقم.
تتمثل جذور المأساة في ان التجربة النيجيرية تظهر مزيجا من ضعف الحكم المحلي، وتباطؤ المحاسبة. كما أن تداخُل الإرهاب بالجريمة المنظمة وشبكات التهريب يشكل دافعا أساسيا لتنامي هذه الظواهر من العنف والإرهاب. وأضاف “نوكس ثايمز” أن الحل يبدأ من وظائف الدولة الأساسية التي تلزمها بضرورة حماية الضعفاء وملاحقة الجناة، الى جانب انتقال الشركاء الدوليين من الاكتفاء بالإدانة الى وجوب دفع نيجيريا نحو ضرورة التحرك وضرورة القيام بدورها الأساسي بتحقيق هذه البديهيات.
وكشرح لمسارات الاستجابة الأميركية، أعلنت واشنطن إعادة تصنيف نيجيريا “بلدًا ذا قلقٍ خاص” فيما يتصل بالحرية الدينية وفق الأنظمة الأميركية، ولوّحت بإجراءاتٍ إضافية إذا لم تتبدّل الوقائع على الأرض، كما أكد السفير “والتز” على استمرار العمل ضمن “فريق عملٍ للحرية الدينية” وتطبيق خطواتٍ داخلية لسدّ أي تحيز إداري حتى في المؤسسات الفدرالية. وعرضت مقابلته مع مذيعة “فوكس نيوز” خطوةً مفاجئة لكنها مؤثرة: وبينت دعوةُ” نيكي ميناج” كنجمةٍ جماهيرية إلى مقر بعثة الأمم المتحدة، بأنها ليست دعوة للاستعراض، بل دعوة للوصول إلى جمهورٍ شابٍّ واسع قد لا يتابع نشرات السياسة الخارجية، بل لتحويل الترفيه إلى جسرٍ للوعي
فتربط بذلة السردية بين السياسة والأرقام. و في حين أشارت المقدمة الصحافية إلى أن القتلة “إسلاميون متطرفون”، بين الخبير أن مسلمين نيجيريين كُثرًا كانوا أيضًا أهدافًا عندما رفضوا العنف باسم الدين، مما جعل هذه الإشارة تعيد الأمور إلى نصابها. اذ ان المشكلة ليست في دينٍ بحد ذاته، بل في جماعاتٍ مسلّحة تُسَخِّر النصوص لتبرير الجرائم.
أضاءت المقابلة على معنى “إعادة التصنيف” أميركيًا للبلدان و الاحداث، فحين يُوصَم بلدٌ بهذه الصفة، تنفتح أمام الإدارة الامريكية سلّةٌ من أدوات الضغط والمساءلة والدعم المشروط، من تقييد التعاون إلى توجيه المساعدات نحو برامج حماية المدنيين وبناء قدرات التحقيق والقضاء، بما يخلق حوافزَ تشجع الحكومةَ المعنية على التحرك بجدية.
كما وسلطت هذه المقابلة الضوء على “التاريخ والإحصاءات” لمسار العنف: فمنذ انطلاق موجة الهجمات الواسعة النطاق قبل أكثر من عقد ونصف، تبدّلت تكتيكات المعتدين من تفجيراتٍ إلى اقتحاماتٍ وعملياتِ خطفٍ جماعي وكمائن على الطرق. وتُظهر الأرقام المجمّعة، وفق ما ورد في المقابلة، أن وتيرة استهداف الكنائس تصاعدت، وأن “الحرق” أصبح أداةُ ترهيبٍ ورسالة إخضاعٍ في آنٍ واحد.
وتمثل اقتراح السفير” مايك والتز” في عرض منهج للتعامل من خلال تسليط الضوء من أعلى هرم القرار، وإسنادُ المنابر لمن يفهمون حساسية الملف، الى جانب توسيعُ التحالف الاجتماعي حول القضية، دون ان نغفل عن تثبيت الأهداف. وهما بالأساس هدفان متلازمان: حماية الناس في الوقت الحاضر، وبناءُ قدرة دولةٍ تُحاسِبُ المجرمين غدًا. كما شدد على أن “كفى” ليست شعارًا خطابيًا، بل نقطةَ انطلاق لسياسةٍ نشطة.
لا تتوقف رسالةُ المقابلة مع السفير “مايك والتز” عند نيجيريا، بل تُحيل إلى “البعد الدولي” من خلال معيارٍ عالميٍّ للحرية الدينية كحقٍّ إنسانيٍّ لا يقبل المساومة، وإلى ضرورة الشعور بالمسؤولية الجماعية بمُطالبة المنظماتِ الدولية بأن تكون أكثر فاعلية في الرصد والضغط والتمويل الذكي لبرامج الحماية والمساءلة.
ولإمكانية تحويل الزخم الإعلامي إلى تغييرٍ فعلي، وجبت مساءلة ” المجتمع الدولي” باقتراح حزمةُ خطواتٍ عملية تتمثل في تمويلُ وحداتِ تحقيقٍ مختصّة بجرائم الكراهية، وتدريبُ الشرطة والقضاة على أدلة الجرائم الجماعية، الى جانب حمايةُ الشهود والناجين، ودعم برامجِ إنذارٍ مبكر في القُرى المُعرّضة، بالإضافة الى توسيع منصاتِ التوثيق لضمانِ عدمِ إفلاتِ الجناة من العقاب.
ولإعادة ترتيب “خريطة الفاعلين” داخليًا فيجب البدء بمجتمع مدنيّ نيجيري يحتاج إلى مظلة أمان، ثم قيادات دينية مسيحية ومسلمة تُوحِّد خطابَها في مواجهة التطرّف، بالإضافة الى ضرورة توفر حكومات محلية تُحاسب على الأداء لا على الشعارات، ونهاية إدارةٌ أميركيةٌ تعِدُ بأن تكون الشريكَ الذي يربط المعاييرَ بالأفعال.
ولإبقاء القضية حيّة ركزت المقابلة على قصص ناجين تحدّثوا عن الخطف والتعذيب، الى جانب عائلات نزحت بعد حرق قُراها، وقسيسون ذُبحوا لأنهم رفضوا ترك صلبانهم. فبيّنت التجربة أن سرديات الضحايا، حين تُروى بكرامةٍ ومسؤولية، تُحدث فرقًا في الرأي العام وفي دواليب صنع القرار.
وفي معادلة الأخلاق والسياسة، ذكّرت المقابلة بأنه لا يكفي إلقاء اللوم على حكومةٍ محليةٍ عاجزةٍ أو مترددة؛ بل ان المطلوب هو تحويل قنواتِ التعاون إلى رافعة ضغطٍ نحو حماية المدنيين أولًا، مع موازنةٍ دقيقةٍ تمنع صبّ الزيت على نار الاستقطاب الطائفي، كما نبهت الى أن حماية الحرية الدينية ليست امتيازًا لفئة، بل صمّام أمان لاستقرار الدولة ووحدة المجتمع.
تم التعهُّد بمتابعة الملف داخل الأمم المتحدة، مع وجوب الضغط لعودة نيجيريا إلى مسار الواجبات الأساسية، عن طريق بناء تحالفٍ عريضٍ من صناع رأيٍ وفنانين وناجين وخبراء قانون، مع استدعاء سلّة أدواتٍ أميركيةٍ، دبلوماسيةٍ وقانونيةٍ وتنموية، لتحويل “النداء” إلى “برنامج” يمكن تطبيقه الى واقع ملموس يبنى عليه.
وبالتالي تُعيد الخاتمة الإنسان إلى قلب القصة، حيث أطفال يحتاجون مدرسة آمنة، وأمّهاتٌ يبحثن عن أبنائهن المخطوفين، وقرى ترغب في صلاةٍ بلا خوف، ومجتمعٌ يتطلع إلى دولةٍ لا تساوم على حق الحياة والكرامة. وبين كل هذه الأحداث تقف حقيقةٌ واحدة وهي أن إخماد هذا الحريق يبدأ بالاعتراف بوجوده، مع الاستمرار بالإحساس بالمسؤولية المشتركة، ووجوب المحاسبة العادلة لمنع تكرار الجريمة.
بهذا المعنى، لا تُقرأ المقابلةُ بوصفها خبرًا عابرًا، بل هي إعلانٍ عن عودةِ ملفٍ إنسانيٍّ إلى الواجهة، مع تصميمٍ سياسي على أن تكون الحرية الدينية “مصلحةً عالمية” لا شعارًا أخلاقيًا فحسب، وذلك فرق قد يعني في نيجيريا وغيرها من الدول، حياةَ آلافٍ من الأبرياء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى