ضربة المكلا… حين يختلف الحلفاء على “من يمرّ بالسلاح”

تحالف دعم الشرعية استهدف شحنة عسكرية لـ«الانتقالي» في المكلا (أ.ف.ب)

 

نيويورك – زينة بلقاسم –

يُقال في التاريخ إن الميناء إذا اضطرب، ارتجّت معه خرائط التحالفات؛ لأن السفن لا تحمل بضائع فقط، بل تحمل ميزان قوة. ومن هنا تبدو “ضربة المكلا” اليمنية، كما وصفتها تغطيات إخبارية دولية، لحظة تتجاوز خبرَ قصفٍ في ميناء، إلى سؤالٍ أكبر: من يملك قرار مرور السلاح داخل معسكرٍ قاد عملياته في اليمن منذ مارس لسنة ألفين وخمسة عشر؟

وفي خلفية الأزمة، برزت أول “حقيقة سياسية” تمسك بخيط القصة: طلبٌ رسمي من رأس الشرعية. فقد نقلت وكالة الأناضول بتاريخ السادس والعشرين من ديسمبر للسنة الجارية أن رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي دعا التحالف إلى اتخاذ “تدابير عسكرية” لحماية المدنيين ومساندة قوات الحكومة لفرض التهدئة في حضرموت. وهنا يبرز سؤالٌ طبيعي: إذا كانت الشرعية تطلب التهدئة والدعم، فكيف تظهر في الوقت نفسه روايات عن شحنات سلاح تصل إلى الميناء؟ الإجابة تأتي من التقارير التي قالت إن المشكلة ليست في “السفن” وحدها، بل في أن مرور السلاح الذي إن تم خارج القنوات المتفق عليها فقد يُقرأ كوقودٍ لتغذية صراع داخلي بينما يُفترض أن اللحظة لحظة خفض تصعيد.

وفي أكثر ما يمس جوهر الأزمة “كدليل” لا كوجهة نظر، جاءت رواية وكالة أسوشيتد برس بتاريخ اليوم الثلاثين من ديسمبر ًألفين وخمسة وعشرين لتقول إن الغارة استهدفت أسلحة وعربات قتالية جرى إنزالها من سفينتين وصلتا إلى ميناء المكلا بعد مغادرتهما ميناء الفجيرة، وإن التقرير أشار إلى أن السفن “عطّلت أنظمة التتبع” أثناء الرحلة.  هنا يصبح السؤال أوضح: إذا كانت الشحنة سلاحًا وعربات، فمن الطبيعي أن تُقرأ على الأرض كإعادة تسليح وتغيير موازين، لا كإمدادٍ إداري عابر.

ثم جاءت “اللغة الرسمية” لتضع إطارًا صارمًا لمعنى ما يجري. ففي بيان منسوب للمتحدث باسم قوات التحالف اللواء الركن تركي المالكي كما نشرته وكالة الأنباء السعودية ونقلته منصات إخبارية سعودية، ورد أن التحالف يتحرك “استجابةً لطلب” رشاد العليمي، وأن أي تحركات عسكرية تخالف جهود خفض التصعيد “سيتم التعامل معها” بهدف حماية المدنيين وإنجاح جهود الوساطة.  وبذلك تتضح رسالة التحالف: المشكلة ليست عنوان “من ضد من” فقط، بل عنوان “من يلتزم بخريطة خفض التصعيد ومن يخرج عنها”.

وفي تعليقات رسمية تمس بجوهر الأزمة، وردت عن المملكة العربية السعودية ممثلةً في وزير دفاعها الأمير خالد بن سلمان جملة لافتة أوردتها مصادر يمنية وعربية: حذّر فيها من أن “الأحداث المؤسفة منذ بداية ديسمبر عام ألفين وخمسة وعشرين في محافظتي حضرموت والمهرة” أدت إلى “شق الصف في مواجهة العدو”، ودعا إلى إنهاء التصعيد وخروج قوات المجلس الانتقالي من المعسكرات وتسليمها سلميًا للسلطة المحلية والقوات المعتمدة.  هذه العبارة بذاتها دليل على أن الرياض قرأت ما يجري كخطر على تماسك المعسكر، لا كخلافٍ يمكن تركه يتضخم.

وفي المقابل، ظهرت إشارات من الطرف الجنوبي تؤكد أن الأزمة مهما كانت حدتها لا يراد لها أن تتحول إلى قطيعة مع التحالف. فقد نقلت رويترز أن المجلس الانتقالي رفض مطالب بالانسحاب من مناطق تقدّم إليها في حضرموت والمهرة، وتمسك بخطابه حول “تأمين” المحافظتين، في وقت دعت فيه الرياض إلى الاستجابة لجهود الوساطة.  ومع ذلك، فإن طريقة صياغة الردود الإعلامية للانتقالي في أكثر من تغطية حملت أيضًا رسالة سياسية: نحن جزء من المعسكر، لكن لنا حساباتنا على الأرض.

وتتصاعد هنا أسئلة التداعيات: ماذا يعني ذلك لمستقبل الشراكة بين الرياض وأبوظبي التين قادتا التحالف منذ عام ألفين وخمسة عشر. فما نقلته رويترز وصحيفة فايننشال تايمز اليوم الثلاثين من ديسمبر ألفين وخمسة وعشرين أن الأزمة تجاوزت “حادثة ميناء”، ووصلت إلى إجراءات سياسية وأمنية تصعيدية داخل معسكر الشرعية نفسه، مع حديث عن إلغاء ترتيبات دفاعية وفرض إجراءات طوارئ وقيود على المنافذ في مناطق نفوذ الحكومة، بالتوازي مع قلقٍ في الأسواق.  وهنا يصبح المعنى قاسيًا، حيث عندما يتحول خلافٌ داخل المعسكر إلى قرارات “سيادية”، يصبح الخطر الحقيقي أن تنشغل القوى المناهضة للحوثيين بصراعٍ داخلي يخفف الضغط عن الخصم.

وعند سؤال: كيف يقرأ الحوثيون ما حدث؟ تأتي الإجابة بميزان المصالح لا بالشعارات: أي تصدع داخل معسكر الشرعية مكسب سياسي للحوثيين لأنه يشتت الأولويات ويضعف الجبهة الموحدة، خصوصًا في ظل استمرار توتر الملاحة في البحر الأحمر. وهذا ما أشارت إليه تقارير دولية ربطت الخلاف بين الحلفاء بخطر أن “يُشجّع الحوثيين” على مزيد من التشدد أو المناورة.  أما الحديث عن إيران، فيبقى التزامًا بالوقائع لا الاتهام ضمن ما تقوله تقارير دولية وأممية عن دعمٍ سياسي وعسكري للحوثيين على مدى سنوات؛ وهو سياق يجعل أي فوضى داخلية في معسكر الشرعية “فرصة” لخصمٍ يملك أصلًا شبكات دعم وخبرة في استثمار الانقسام.

وبالحديث عمّا يحدث في المنطقة، يتبادر سؤال مهمّ: أين مصر؟ وباقي الأطراف دولية التي يرتبط أمنها باليمن؟ فمصر معنية قبل كل شيء بأمن البحر الأحمر وسلامة الملاحة، و أي تصعيد طويل في حضرموت أو الموانئ اليمنية يرتد على طرق التجارة والتأمين والطاقة. وفي الوقت نفسه، تراقب قوى دولية كبرى الملف بالمنظار نفسه: الممرات البحرية، وأمن الشحن، واستقرار سوق الطاقة. ولهذا فإن “ضربة المكلا”، كما ظهرت في الأخبار، ليست مجرد حادث عسكري، بل إشارة إلى أن اليمن يمكن أن يتحول في لحظة من ساحة مواجهة مع الحوثي إلى ساحة اختبار صعب بين الحلفاء أنفسهم.

الخلاصة التي تقف على أرض الأدلة هي : طلبٌ موثق من رشاد العليمي لتدابير عسكرية وفرض تهدئة؛ و رواية دولية موثقة عن شحنة تضمنت أسلحة وعربات قتالية أُفرغت في الميناء؛ وتحذير سعودي رسمي من “شق الصف” ودعوة لإنهاء التصعيد وتسليم المعسكرات للسلطة المحلية. وما بين هذه الحقائق يظل السؤال الأخطر: هل تُكتب قواعد واضحة للسلاح والقرار في حضرموت، و التصاريح، و جهة الاستلام، والمرجعية الواحدة، أم يبقى البحر مساحة رسائل، وعندها لا يخسر طرفٌ واحد… بل يخسر اليمن والإقليم معًا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى