أمرٌ تنفيذيٌّ من البيت الأبيض للإخوان المسلمين… يحرّك مسارَ مكافحة الإرهاب والتحالفات الإقليمية

FYE – HN –

 

واشنطن نيويورك – زينة بلقاسم – ألأمم المتحدة

وقّع الرئيس الأمريكي” دونالد ترمب” في الرابع والعشرين من للعام الجاري أمرًا تنفيذيًا يطلق مسارًا قانونيًا لتصنيف فروعٍ محددة من جماعة “الإخوان المسلمين” كمنظماتٍ إرهابية أجنبية وكياناتٍ إرهابية عالمية محدَّدة. ورقةٌ رسمية ستتحوّل إلى خارطة عمل تُلزم مؤسسات الدولة بإجراءاتٍ محددة زمنًا وأثرًا. فتجاوزت أصداء الحدث الذي تم في البيت الأبيض أسوار العاصمة إلى المشرق العربي وخارطة المصالح الأميركية وشبكة الشركاء الإقليميين.

وقد شرح النصّ الرئاسي ما سيفعلُه القرار على وجه الدقة؛ إذ سيستند إلى سلطاتٍ منصوصٍ عليها في قوانينٍ نافذة، منها قانون الهجرة والجنسية وقانون الصلاحيات الاقتصادية في حالات الطوارئ، ويُحيل إلى أمرٍ رئاسي صدر في الثالث والعشرين من سبتمبر عام ألفين وواحد استُخدم على مدى سنوات لتجميد أصول الأفراد والكيانات الضالعة في الإرهاب. وبالتالي فهذه ليست مجرّد لهجة سياسية إذًا، بل قالبٌ قانوني سيفعِّل أدواتٍ مالية وقضائية ودبلوماسية في آنٍ واحد، كما وسيحوّل توصيف “التهديد” إلى إجراءاتٍ قابلة للقياس.
تقدّم النص بخطواتٍ عملية حيث انه وخلال ثلاثين يومًا من تاريخ التوقيع سيرفع وزير الخارجية ووزير الخزانة، بعد التشاور مع المدّعي العام ومدير الاستخبارات الوطنية، تقريرًا مشتركًا إلى الرئيس يتناول تسمية أي فروع أو تقسيمات من الجماعة مؤهّلة للتصنيف، بما في ذلك تلك الناشطة في دولٍ عربية. وبعد ذلك، وخلال خمسةٍ وأربعين يومًا من تقديم التقرير، ستتخذ الجهات المختصة الإجراءات المناسبة بموجب القانون للشروع في التصنيفات الفعلية وما يتصل بها من عقوباتٍ وتجميد أصول ومنع تقديم “الدعم المادي”. وبالتالي وهكذا، بالأسابيع لا بالسنوات ستُقاسُ السياسة، وتُضبط ساعة التنفيذ على إيقاعٍ سريع.
من زاويةٍ أمنيةٍ صريحة، يتناول الأمر التنفيذي الوقت الذي أخذه هذا الاجراء “لماذا الآن؟”؛ فالتنظيم، وفق ما يورده النص، لم يبقَ محصورًا في إطارٍ محلي، بل تطوّر إلى شبكةٍ عابرة للحدود ذات فروعٍ وأجنحةٍ لعبت وتلعب أدوارًا داعمة للعنف وزعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط، بما يُهدِّد المدنيين ومصالح الولايات المتحدة وشركاءها. ومن هذه الزاوية بالذات، يربط القرارُ السياسةَ بالقانون، اذ ان التعاون مع الشركاء الإقليميين لتجفيف الموارد والواجهات، وإسنادُ السلطات المحلية بأدواتٍ تجعل ملاحقة الشبكات العابرة للحدود أكثر فاعلية وأسرع أثرًا.

ويُقارب النصّ حساسية الملف بمنهج “الجراحة الدقيقة” بدل “الكيّ الشامل”؛ فلا يتحدث عن تصنيفٍ شموليٍّ عابرٍ للاعتبارات القانونية، بل يذهب إلى «التجزئة الذكية» مستهدفًا الفروع والأجنحة التي تُثبت الأدلةُ تورّطها في الإرهاب أو دعمَه المادي، وهو نهجٌ يمنح القرار صلابةً أكبر أمام المحاكم، ويُطمئن العواصم الصديقة إلى أن المقاربة تراعي الفروق ولا تخلط بين الانتماء العام والفعل الجرميّ الموثّق.
ويقود الرئيس هذه العملية من خلال مواقع المسؤولية المحددة بوضع التوجيه السياسي والتوقيع القانوني، في حين تُمسك وزارتا الخارجية والخزانة بمفاتيح التنفيذ، أما المدّعي العام ومدير الاستخبارات الوطنية فيُزوّدان الإسناد القانوني والاستخباري. وبالتالي وبهذه الصيغة تعمل الحكومة كمنظومةٍ واحدة تخفّض هامش الخطأ، وتُسرّع تبادل المعلومات، وتُقفل الثغرات التي استفادت منها شبكات التمويل والدعاية طوال سنوات.

وسيتسع المشهد ويظهر الأثر في الداخل الأميركي حين تُشدد الرقابة على قنوات التحويل والواجهات الخيرية الوهمية، وتُفعَّل لوائح المنع وتدقيق الهويات والتعاملات؛ ويتم التنسيق في الأقاليم بين السلكين الأمنيٍّ والقضائيٍّ مع حلفاء عربٍ لإدراج الأسماء ذاتها محليًا، وتوحيد معايير التجميد الفوري للأصول، وضبط الحدود والموانئ ونقاط العبور. وستكتمل الدائرة حين تتحوّل البيانات المصرفية والاتصالات المالية إلى “خرائط أدلة” تُغلق الطرق أمام إعادة تدوير الأموال.
واذا تم التصنيف ولضمان فعاليته سيتكئ القرار على “كيف” ستُصاغ السياسة الذكية: عن طريق التعاون لا القطيعة مع الحكومات الشريكة، واستهداف القنوات المادية للفعل الإرهابي بدل السجال الأيديولوجي، الى جانب ربط التصنيفات بإجراءاتٍ تنفيذية ملموسة، من قوائم الحظر إلى تجريم الدعم المادي، ثم مراقبة الالتزام بآجالٍ زمنية محدّدة. وبالتالي وفي الخلفية، ستتعزّز مصداقية واشنطن حين توفّق بين خطاب حماية المدنيين وبين أداة قانونية تُغلِق منافذ الإفلات من العقاب المالي.
يمدّ هذا النص خيطًا إلى الوراء ليضع خطوة اليوم في سياقٍ تاريخي أطول، حيث انه ومنذ مطلع القرن الجديد تحوّلت الأوامر التنفيذية وأدوات التصنيف إلى جزءٍ ثابت من عُدّة مكافحة الإرهاب العابرة للحدود. وقد أفضت تلك الأدوات، حين استُخدمت بانضباط، إلى تقييد مئات الأفراد والكيانات حول العالم، وأجبرت شبكاتٍ معقّدة على الإنفاق الدفاعي بدل التمويل الهجومي، وأضعفت قدراتها على التجنيد والتسليح والتنقل. إذا وبهذا الإرث التشغيلي يَدخل الأمر الجديد حيّز التطبيق، مستفيدًا من تراكم الخبرة ومحدّدات القانون معًا أي ان هذا القرار لا يُهمل ضبط الإطار القانوني؛ بل إنه يُذكّر بأن التنفيذ يجب أن ينسجم مع القوانين المرعية وأنه لا ينشئ حقوقًا قابلة للتقاضي ضد الحكومة الفدرالية، ولا يكلّف وزارة الخارجية إلا كلفةَ نشر القرار وإتمام إجراءاته الإدارية. إنّه فصلٌ صغير في النص، لكنه يؤكد أن الحزم لا يعني تجاوز الأصول، وأن دولة القانون هي السقف الذي يمنح السياسة شرعيتها.

ويتكشّف أن العائد في أكثر من مستوى سيكون للمواطن الأميركي الذي ينشد أمنًا أعلى في الداخل والخارج، الجانب الشركاء الإقليميين الذين يواجهون آثار العنف على أرضهم ويحتاجون مظلةً قانونيةً وعملياتيةً مشتركة، بالإضافة إلى الاقتصاد الشرعي الذي يتضرر كلما فُتحت قنواتُ غسل الأموال والتهريب. وفي المقابل، تُقلّص هذه الخطوة كلفة الفوضى على المجتمعات المحلية التي دفعت طوال عقدٍ ونصف ثمن تمدّد الشبكات و “اقتصادات الظل”.

إذا انطلق الأمر التنفيذي من مكتب الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” ليصل إلى المصارف والموانئ والمحاكم والعواصم، فسيصبح قرارا يتعامل مع شبكةٍ عابرةٍ للحدود بمنطقٍ عابرٍ للبيروقراطيات وينتهي بالتالي النصّ إلى صورةٍ أوسع. وبقدر ما ستبدو عليه الوثيقةُ القانونيةً بأنها جافة، بقدر ما ستحمل أثرًا إنسانيًا مباشرًا حين تُسهم في حماية أرواح المدنيين وتجفيف منابع العنف. وسنستخلص بأنه إذا كانت مكافحة الإرهاب قد تعلّمت أن “المال دمٌ بارد”، فإن تجفيفه، كما سيقترح هذا المسار، قد يكون الطريق الأقصر إلى منع نزيفٍ جديد.
يتبدّى أن واشنطن وبهذه السلاسة لم تكتفِ برفع الصوت، بل وضعت جدولًا زمنيًا، وحدّدت مسؤولين، وربطت الأدوات القانونية بالشراكات الإقليمية. وبين توقيعٍ في البيت الأبيض وحركةِ مؤسساتٍ متكاملة، تتقدّم خطوةٌ عملية في طريقٍ طويل، لكنها خطوةٌ ستُقاسُ بنتائجها من خلال تضييق الخناق على الفروع الإخوانية المتورّطة، وتكريس معيارٍ واضحٍ لمحاسبة العابرين على القانون… ومزيد من اليقين بأن الأمن يُصنع حين يلتقي القانون بالإرادة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى