مشروع القبة الذهبية.. درع فضائي أميركي يعيد تشكيل سباق التسلح العالمي

الرئيس الأميركي دونالد ترامب يستعرض القبة الذهبية

عين اليمن الحر – CBNC

أثار الرئيس الأميركي دونالد ترامب عاصفة من الجدل الدولي بإعلانه عن مشروع “القبة الذهبية”، وهو نظام دفاعي طموح يسعى إلى تحويل الفضاء إلى خط الدفاع الأول للولايات المتحدة ضد الهجمات الصاروخية المعقدة. يهدف المشروع إلى إنشاء شبكة من الأقمار الاصطناعية، الصواريخ الاعتراضية، ومراكز القيادة الذكية التي تتكامل معاً لتكوين مظلة فضائية تحمي أراضي أميركا من التهديدات الباليستية والصواريخ الفرط صوتية.

إعلان ترامب هذا يأتي في وقت تشتد فيه التوترات الجيوسياسية وتتصاعد فيه المنافسة على السيطرة التكنولوجية والعسكرية في الفضاء.

 ملامح المشروع وتفاصيله التقنية

يعتمد نظام القبة الذهبية على مكونات متطورة تتضمن آلاف الأقمار الاصطناعية الصغيرة ذات المدار المنخفض، مجهزة بأنظمة استشعار فائق الحساسية قادرة على تعقب الأجسام بسرعة تفوق 20 ماخ (1ماخ = 1234 كم/س). إلى جانب الأقمار، سيتم بناء وحدات إطلاق فضائية متنقلة وثابتة قادرة على إرسال صواريخ اعتراض تعمل بتقنية الليزر والميكروويف، إضافة إلى صواريخ اعتراضية تقليدية مصممة لاعتراض الأهداف من الطبقة العليا للغلاف الجوي وحتى المدار القريب.

ستُدار هذه المنظومة بواسطة شبكات ذكاء اصطناعي متقدمة قادرة على اتخاذ قرارات فورية بناءً على تحليل بيانات ميدانية ضخمة، وهو ما يعني أن الاستجابة لأي تهديد ستكون أسرع من أي نظام دفاعي سابق. ويُنتظر أن يكون النظام قادراً على التكامل مع أنظمة الدفاع الحالية مثل Aegis، وTHAAD، وPatriot، مما يخلق شبكة متعددة الطبقات من الحماية.

 أهداف استراتيجية تتجاوز الدفاع

لا يقتصر المشروع على كونه مظلة صاروخية؛ بل يتعداه ليكون إعلاناً واضحاً عن نوايا الولايات المتحدة في السيطرة على الفضاء كساحة عسكرية مستقبلية. يعتبر ترامب ومستشاروه أن من يمتلك الهيمنة في المدار الأرضي المنخفض سيتمكن من فرض شروطه في أي صراع جيوسياسي. لذلك، يمثل هذا المشروع جزءاً من استراتيجية أميركية أشمل لإعادة تشكيل موازين القوة العالمية.

اقرأ أيضاً:القبة الذهبية”.. ترامب يكشف عن تفاصيل متعلقة بمنظومة الدفاع الصاروخية الأميركية الجديدة

كما أشار البيت الأبيض إلى نية إشراك حلفاء أميركا في المشروع، حيث ستكون بعض قدرات المنظومة متاحة للدول الحليفة ضمن إطار تحالفات أمنية متعددة، ما يعزز من قوة الردع الجماعي ويمنح واشنطن مركز القيادة في أي ترتيبات أمنية مستقبلية.

 تكلفة المشروع وتمويله

قدّرت الإدارة الأميركية أن التكلفة الأولية للمشروع تبلغ 175 مليار دولار، سيتم تخصيصها من ميزانية الدفاع خلال السنوات الثلاث المقبلة. غير أن مؤسسات بحثية مثل RAND وBrookings Institute ترجح أن تصل الكلفة الفعلية إلى أكثر من تريليون دولار عند احتساب تكاليف التطوير، النشر، الصيانة والتحديثات المستقبلية.

وتسعى إدارة ترامب إلى تمرير مشروع قانون خاص لتمويل المبادرة عبر تخفيضات في الإنفاق الحكومي غير الدفاعي، وإعادة هيكلة بعض الإعفاءات الضريبية للشركات، إضافة إلى فتح باب الاستثمارات الخاصة في مجال تصنيع مكونات المشروع عبر شراكات عامة-خاصة.

 مشاركة الشركات الأميركية الكبرى

منذ إعلان المشروع، شهدت الشركات الأميركية المتخصصة في الصناعات الدفاعية والفضائية نشاطاً كبيراً. تقدمت SpaceX بمقترح لإنشاء شبكة من الأقمار الاصطناعية الدفاعية المعدلة من نظام Starlink. كما أعلنت Lockheed Martin عن مشروع لتطوير صواريخ اعتراضية فضائية قادرة على المناورة بسرعات عالية، فيما تعمل
Northrop Grumman على تصميم أنظمة استشعار ذات دقة غير مسبوقة. وPalantir تصمم أنظمة المراقبة التجسس المعززة بالذكاء الاصطناعي.

تتنافس هذه الشركات، إلى جانب Raytheon وBlue Origin، على عقود قد تصل قيمتها مجتمعة إلى 200 مليار دولار خلال العقد القادم. وتشارك الجامعات والمؤسسات البحثية الأميركية عبر منح بحثية وتطويرية في مجالات الذكاء الاصطناعي أبرزها وكالة مشاريع أبحاث الدفاع المتقدمة الأميركية DARPA،و يطورون أنظمة الليزر الفضائي، وتقنيات الملاحة المعقدة.

اقرأ أيضاً: خطة جديدة من إدارة ترامب لنقل الفلسطينيين.. ما القصة؟

 ردود الفعل الدولية

قوبل الإعلان الأميركي بترحيب حذر من حلفاء الناتو، بينما اعتبرته روسيا انتهاكاً واضحاً لمبادئ الأمن الجماعي واتهمت واشنطن بمحاولة عسكرة الفضاء. الصين، من جانبها، نددت بالمشروع واعتبرته تهديداً مباشراً للاستقرار العالمي، وأعلنت أنها ستسارع في تطوير أنظمتها الدفاعية والهجومية الفضائية.

كذلك عبرت الأمم المتحدة عن قلقها من تسارع عسكرة الفضاء، ودعت إلى استئناف المفاوضات حول معاهدة دولية جديدة تمنع نشر الأسلحة الهجومية في المدار و خاصةً أسلحة الدمار الشامل.

يثير المشروع أيضاً أسئلة قانونية وأخلاقية جدية، خصوصاً في ظل غياب إطار قانوني ينظم استخدام الذكاء الاصطناعي في اتخاذ قرارات القتل الدفاعي. كما أن إنشاء شبكة فضائية لاعتراض التهديدات يثير الجدل حول الخصوصية الرقمية العالمية، وسيادة الدول على بياناتها ونظمها الإلكترونية و اختراق المجالات الجوية للدول الآخرى.

 المعارضة الداخلية والمخاوف الاقتصادية

رغم الدعم الواسع من الجمهوريين، عبر بعض النواب الديمقراطيين عن مخاوفهم من تضخيم ميزانية الدفاع على حساب الإنفاق الداخلي، مثل التعليم والرعاية الصحية. كما حذّرت مراكز بحثية من احتمال دخول الولايات المتحدة في سباق تسلح فضائي مكلف قد يستنزف مواردها على المدى البعيد، علما ان الولايات المتحدة تعاني من أزمة ديون خانقة تستنزف الاقتصاد الأميركي و تعرض حياة ملايين المواطنين للتهديدات و تأثر أساليب المعيشة.

تمثل القبة الذهبية تحولاً جذرياً في نظرة الولايات المتحدة إلى الفضاء كساحة عمليات دفاعية متكاملة. وبينما يعدها البعض أعظم مشروع ردع استراتيجي منذ الحرب الباردة، يحذر آخرون من أنها قد تشعل سباق تسلح فضائي وتعيد تشكيل النظام الدولي بطرق غير محسوبة العواقب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى